سورة يس - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


قوله عز وجل: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} يعني: اذكر لهم شبها مثل حالهم من قصة أصحاب القرية وهي أنطاكية، {إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ} يعني: رسل عيسى عليه الصلاة والسلام.
قال العلماء بأخبار الأنبياء: بعث عيسى رسولين من الحواريين إلى أهل مدينة أنطاكية فلما قربا من المدينة رأيا شيخا يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار، صاحب يس فسلما عليه، فقال الشيخ لهما: من أنتما؟ فقالا رسولا عيسى، ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن، فقال: أمعكما آية؟ قالا نعم نحن نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، فقال الشيخ: إن لي ابنًا مريضًا منذ سنين، قالا فانطلق بنا نطلع على حاله، فأتى بهما إلى منزله، فمسحا ابنه، فقام في الوقت- بإذن الله- صحيحًا، ففشا الخبر في المدينة، وشفى الله تعالى على أيديهما كثيرًا من المرضى، وكان- لهم ملك قال وهب: اسمه انطيخس- وكان من ملوك الروم يعبد الأصنام، قالوا: فانتهى الخبر إليه فدعاهما، فقال: من أنتما؟ قالا رسولا عيسى، قال: وفيم جئتما؟ قالا ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع ويبصر، فقال: لكما إله دون آلهتنا؟ قالا نعم، من أوجدك وآلهتك. قال: قوما حتى أنظر في أمركما، فتبعهما الناس فأخذوهما وضربوهما في السوق.
قال وهب: بعث عيسى هذين الرجلين إلى أنطاكية، فأتياها فلم يصلا إلى ملكها، وطال مدة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبرا وذكرا الله، فغضب الملك وأمر بهما فحبسا وجلد كل واحد منهما مائة جلدة، قالوا: فلما كذب الرسولان وضربا، بعث عيسى رأس الحواريين شمعون الصفا على إثرهما لينصرهما، فدخل شمعون البلد متنكرا، فجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به، فرفعوا خبره إلى الملك فدعاه فرضي عشرته وأنس به وأكرمه، ثم قال له ذات يوم: أيها الملك بلغني أنك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك، فهل كلمتهما وسمعت قولهما؟ فقال الملك: حال الغضب بيني وبين ذلك. قال: فإن رأى الملك دعاهما حتى نطلع على ما عندهما، فدعاهما الملك، فقال لهما شمعون: من أرسلكما إلى هاهنا؟ قالا الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك، فقال لهما شمعون: فصفاه وأوجزا، فقالا إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فقال شمعون: وما آيتكما؟ قالا ما تتمناه، فأمر الملك حتى جاؤوا بغلام مطموس العينين وموضع عينيه كالجبهة، فما زالا يدعوان ربهما حتى انشق موضع البصر، فأخذا بندقتين من الطين، فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين يبصر بهما، فتعجب الملك، فقال شمعون للملك: إن أنت سألت إلهك حتى يصنع صنعًا مثل هذا فيكون لك الشرف ولإلهك. فقال الملك: ليس لي عنك سر إن إلهنا الذي نعبده لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع، وكان شمعون إذا دخل الملك على الصنم يدخل بدخوله ويصلي كثيرًا، ويتضرع حتى ظنوا أنه على ملتهم، فقال الملك للرسولين: إن قدر إلهكم الذي تعبدانه على إحياء ميت آمنا به وبكما، قالا إلهنا قادر على كل شيء، فقال الملك: إن هاهنا ميتا مات منذ سبعة أيام ابن لدهقان وأنا أخرته فلم أدفنه حتى يرجع أبوه، وكان غائبا فجاؤوا بالميت وقد تغير وأروح فجعلا يدعوان ربهما علانية، وجعل شمعون يدعو ربه سرًّا، فقام الميت، وقال: إني قدمت منذ سبعة أيام مشركا فأدخلت في سبعة أودية من النار، وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا بالله، ثم قال: فتحت لي أبواب السماء فنظرت فرأيت شابًّا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة، قال الملك: ومن الثلاثة؟ قال: شمعون وهذان وأشار إلى صاحبيه، فتعجب الملك، فلما علم شمعون أن قوله أثر في الملك أخبره بالحال، ودعاه فآمن الملك وآمن قوم، وكفر آخرون.
وقيل: إن ابنة للملك كانت قد توفيت ودفنت، فقال شمعون للملك: اطلب من هذين الرجلين أن يحييا ابنتك، فطلب منهما الملك ذلك فقاما وصليا ودعوا وشمعون معهما في السر، فأحيا الله المرأة وانشق القبر عنها فخرجت، وقالت: أسلموا فإنهما صادقان، قالت: ولا أظنكم تسلمون، ثم طلبت من الرسولين أن يرداها إلى مكانها فذرا ترابًا على رأسها وعادت إلى قبرها كما كانت.
وقال ابن إسحاق عن كعب ووهب: بل كفر الملك، وأجمع هو وقومه على قتل الرسل فبلغ ذلك حبيبا، وهو على باب المدينة الأقصى، فجاء يسعى إليهم يذكرهم ويدعوهم إلى طاعة المرسلين، فذلك قوله عز وجل:


{إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ} قال وهب: اسمهما يوحنا وبولس، {فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا} يعني: فقوينا، {بِثَالِثٍ} برسول ثالث، وهو شمعون، وقرأ أبو بكر عن عاصم: {فعززنا} بالتخفيف وهو بمعنى الأول كقولك: شددنا وشددنا بالتخفيف والتثقيل، وقيل: أي: فغلبنا من قولهم: من عز بز. وقال كعب: الرسولان: صادق وصدوق، والثالث شلوم، وإنما أضاف الله الإرسال إليه لأن عيسى عليه السلام إنما بعثهم بأمره تعالى، {فَقَالُوا} جميعا لأهل أنطاكية، {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ}.


{قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ} ما أنتم إلا كاذبون فيما تزعمون. {قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} {وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}.
{قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} تشاءمنا بكم، وذلك أن المطر حبس عنهم، فقالوا: أصابنا هذا بشؤمكم، {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ} لنقتلنكم، وقال قتادة: بالحجارة {وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}. {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} يعني: شؤمكم معكم بكفركم وتكذيبكم يعني: أصابكم الشؤم من قبلكم. وقال ابن عباس والضحاك: حظكم من الخير والشر {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} يعني: وعظتم بالله، وهذا استفهام محذوف الجواب مجازه: إن ذكرتم ووعظتم بالله تطيرتم بنا. وقرأ أبو جعفر: {أن} بفتح الهمزة الملينة {ذكرتم} بالتخفيف {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} مشركون مجاوزون الحد. قوله عز وجل: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} وهو حبيب النجار، وقال السدي: كان قصارًا وقال وهب: كان رجلا يعمل الحرير، وكان سقيما قد أسرع فيه الجذام، وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة، وكان مؤمنا ذا صدقة يجمع كسبه إذا أمسى فيقسمه نصفين فيطعم نصفا لعياله ويتصدق بنصف، فلما بلغه أن قومه قصدوا قتل الرسل جاءهم {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8